الاثنين، 4 يونيو 2012

ما لا تعرفه عن كلمة التوحيد
(( لا إله إلا الله محمد رسول الله ))
موسى بن سليمان السويداء

كلمة التوحيد هي كلمة الإخلاص , وشهادة الحق , ودعوة الرسل , وبراءة من الشرك , ونجاة العبد , ورأس هذا الأمر , ولأجلها خُلق الخلق كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }[ الذاريات / 56 ] ولأجلها أرسلت الرسل , وأُنزلت الكتب كما قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أن لا إله إلا أنا فاعبدون }[ الأنبياء / 25 ] ومن أجلها أفترق الناس إلى فريقين , فريق في الجنة وفريق في السعير , ومن أجلها حقت الحاقة , ووقعة الواقعة , ومن أجلها سُلت سيوف الجهاد , وفارق الابن أباه , والزوج زوجته فلا يدخل الإنسان في الإسلام إلا بعد أن يشهد هذه الشهادة , شهادة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فإن أبى فلا يكون من أهل الإسلام والتوحيد , بل هو من أهل الكفر والشرك , ولذا هي الركن الأول من أركان الإسلام , وهي مفتاح الجنة .
وفي الصحيحين عن ابن المسيب عن أبيه , قال : ( لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل , فقال له : (( يا عم قل : لا إله إلا الله . كلمة أحاج لك بها عند الله )) فقالا له : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعادا , فكان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب . وأبى أن يقول لا إله إلا الله , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لأ ستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك )) فأنزل الله عزوجل : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }[ التوبة / 113 ] وانزل في أبي طالب : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء }[ القصص / 56 ] ) .
وهذا يدل على عِظم هذه الكلمة الجليلة , فأبى طالب مات على ملة الشرك , ملة أبيه عبد المطلب بسبب عدم نطقه لهذه الكلمة العظيمة .

* ومعنى هذه الكلمة أي : لا معبود بحق إلا الله . فهي جامعة للنفي والإثبات , فـ( لا إله ) نفي لجميع ما يعبد من دون الله - كالأصنام والأوثان والملائكة والأنبياء والأولياء والجن الذين عُبدوا من دون الله - و ( إلا الله ) إثبات العبادة لله وحدة لا شريك له في العبادة دون غيره من المعبودات [1].
وأما ( محمد رسول الله ) فمعناها : طاعته فيما أمر , وتصديقه فيما أخبر , واجتناب ما نهى عنه وزجر , وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .[2] وهذا التعريف لمعنى شهادة محمد رسول الله شامل لها , لأن العبادة لابد أن تكون موافقة لما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلا يُعبد الله بالبدع , والخرافات , وما يستحسنه الناس من عند أنفسهم .

* وأما خصائص كلمة التوحيد فمنها : أنها لا تشتمل على حرف منقوط . قال ابن عبد الهادي الحنبلي : ( ومن خواصها أن حروفها كُلها مهملة ليس فيها حروف معجمة تنبيهاً على التجرد من كل معبود سوى الله تعالى )[3] وقال محمد بن أبي الفتح البعلي : ( ومن خواصها أن جميع حُروفها جوفية , ليس فيها شيء من الشفوية , إشارة إلى أنها تخرج من القلب )[4] .

* وأما شروطها فثمانية وقد نظمها بعضهم في قوله :
عـلم يقين وإخلاص وصدقك مع * * * محبةٍ وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما * * * سوى الإله من الأشياء قد أُلها
فالأولى : العلم بمعناها المنافي للجهل . وقد ذكرنا أنفاً معناها أي لا معبود بحق إلا الله .
الثانية : اليقين المنافي للشك , فلابد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله سبحانه هو المعبود بحق .
الثالثة : الإخلاص وذلك بأن يخلص العبد لربه سبحانه في جميع العبادات , فلا يصرف شيء من العبادات لغيره - كالأصنام , أو الملائكة , أو الأنبياء , أو الأولياء , أو الجن - أو غير ذلك .
الرابعة : الصدق ومعناه : أن يقولها وهو صادق بحيث يطابق قلبه لسانه , ولسانه قلبه , فإن قالها باللسان فقط بدون إيمان القلب , فهو من المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر .
الخامسة : المحبة ومعناها : أن يحب الله عزوجل , فإن قالها بدون محبة الله , فهو أيضاً منافق قال تعالى : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حباً لله }[ البقرة / 165 ] .
السادسة : الانقياد لما دلت عليه من معنى , بحيث يعبد الله وحده وينقاد لشريعته , فلا يكون مستكبراً عن العبادة كما استكبر إبليس عن طاعة الله .
السابعة : القبول لما دلت عليه من إخلاص العبادة لله , وترك عبادة ما سواه راضياً بذلك .
الثامنة : الكفر بما يعبد من دون الله . أي : يتبرأ من عبادة غير الله , ويعتقد أنها عُبدت بالباطل , كما قال تعالى : { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميعٌ عليم }[5][ البقرة / 256 ] .

* وأما الفوائد التي تحصل لذاكرها ومرددها فكثيرة جداً . نقل ابن حجي الحنبلي في رسالةٍ له سماها \" الكلام المُنقى مما يتعلق بكلمة التقوى \" عن صاحب كتاب \" فاكهة القلوب والأفواه \" أنه قال : (
فمنها الزهد , ونعني به خلو الباطن من الميل إلى فان .
ومنها التوكل , وهو ثقة القلب بالوكيل الحق سبحانه وتعالى .
ومنها الحياء , بتعظيم الله عز وجل بدوام ذكره , والتزام امتثال أمره ونهيه .
ومنها الشكر , وهو إفراد القلب بالثناء على الله تعالى , ورؤية النعم في طي النقم )
ثم قال ابن حجي مستدركاً عليه : ( قلت : ومنها أنها تعصم الدم والمال لمن قالها إلا بحقها )[6] .

* وأما فضائلها فقد عقد الحافظ زين الدين ابن رجب , فصلاً يبلغ (13) صفحة في كتابه \" التوحيد أو تحقيق كلمة الإخلاص \" وسوف أذكر بعضها باختصار :
1/ هي نجاة من النار .
2/ توجب المغفرة .
3/ أحسن الحسنات .
4/ تمحو الذنوب والخطايا .
5/ تجدد ما درس من الإيمان في القلب .
6/ لا يعدلها شيء في الوزن .
7/ تخرق الحُجب كلها حتى تصل إلى الله عزوجل إذا قالها القائل .
8/ ينظر الله إلى قائلها ويجيب دعاه إذا كان قالها مخلصاً .
9/ أفضل ما قاله النبيون .
10/ أفضل الذكر .
11/ أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً في الأجر وتعدل عتق رقبة وتكون حرزاً من الشيطان .
12/ أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر .
13/ شعار المؤمنين إذا قاموا من القبور .
14/ أن قائلها لا يخلد في النار[7].

* وأما نواقضها فكثيرة جداً حتى قيل أنها تبلغ (400) ناقض[8] لكن أهمها وأخطرها عشرة نواقض , وهي :
1/ الشرك بالله , كالذبح للجن وللأولياء - مثل ما كان يُعمل في الجاهلية للأصنام - .
2/ من جعل بينه وبين الله وسائط , يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم .
3/ من لم يُكفر المشركين , أو شك في كفرهم , أو صحح مذهبهم .
4/ من أعتقد أن هدي غير الرسول صلى الله عليه وسلم , أكمل من هديه , أو أن حكم غيره أحسن من حكمه - كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكم الشرع - .
5/ من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به - كمن يبغض القرآن أو السنة - .
6/ من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم , أو ثوابه - كنعيم الجنة - أو عقابه - كالآخرة وما فيها من أنواع العذاب - .
7/ السحر , والصرف , والعطف .
8/ مناصرة المشركين والكفار على المسلمين .
9/ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة الرسول - كما فعل الخضر مع موسى - .
10/ الإعراض عن تعلم دين الله فلا يتعلمه ولا يعمل به[9].

-------------------------------
1/ راجع حاشية الأصول الثلاثة لعبد الرحمن بن قاسم ، دار الزاحم ، الرياض .
2/ نفس المصدر السابق .
3/ الدرر النقي في شرح ألفاظ الخرقي , ج2 ص 212 يوسف بن حسن بن عبد الهادي ، دار المجتمع ، جدة .
4/ المطلع على أبواب المقنع ، ص81 لمحمد بن أبي الفتح البعلي ، المكتب الإسلامي ، بيروت .
5/ راجع فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ( باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله ) للشيخ عبد الرحمن بن حسن , ومجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز جمع الدكتور عبد الله الطيار , ج1 ص 229 طبعة دار الوطن .
6/ نقلته بتصرف يسير من مجموع الرسائل والمسائل النجدية , ج5 ص858 جمع الشيخ محمد رشيد رضا , وأعاد طباعتها مع الفهارس الدكتور عبد السلام آل عبد الكريم – رحمهما الله - .
7/ كل هذه الفضائل ذكر لها الحافظ ابن رجب أدلة من القرآن والسنة الصحيحة , لكني اكتفيت بذكرها باختصار , ومن أرد الزيادة فليراجع أصل الكتاب .
8/ راجع في ذلك كتاب الإعلام بقواطع الإسلام لأبن حجر الهيتمي الشافعي ، وكتاب ألفاظ الكفر لبدر الرشيد الحنفي ، و رسالة في ألفاظ الكفر لقاسم الخاني ، ورسالة في ألفاظ الكفر لتاج الدين أبي المعالي الحنفي ، وقد جمع هذه الكُتب , الدكتور محمد الخميس في كتاب واحد سماه \" الجامع في ألفاظ الكفر \" , وهو مطبوع في دار إيلاف الدولية بالكويت .
9/ راجع دروس في شرح نواقض الاسلام ، للشيخ صالح بن فوزان الفوزان ، دار أطلس الخضراء , الرياض .

 

رضا حسن السيد

فـــزْ بعلم تعشْ حيـّاً بــه أبـداً فالناسُ موتى وأهلُ العلم أحياءُ وقدرُ كل امرءِ ما كان يُحسنـُه والجاهلـون لأهل العلم أعـــــداءُ

0 التعليقات