الأربعاء، 25 أبريل 2012




لغةً:
جاء في لسان العرب أن كلمة الحر من كل شي‏ء هي أعتقه وأحسنه وأصوبه، والشي‏ء الحر هو كل شي‏ء فاخر، وفي الأفعال هو الفعل الحسن.
والأحرار من الناس أخيارهم وأفاضلهم.
والحرة: هي الكريمة من النساء.
وتطلق الحرية في اللغة على الخلاص من العبودية، فيقال: هو حر، أي غير مسترق ولا مملوك. وتطلق على الخلوص من كل شي‏ء دخيل، فيقال: فرس حر، أي: عتيق الأصل ليس في نسبه هجنة، ويقال: أرض حرة أي: لا رمل فيها، ورمل حر أي: لا طين فيه.
وتأتي أيضاً بمعنى الشرف والطيب والجودة فيقال: هو حر، أي: كريم شريف طيب الأصل، ويقال: هو من حرية القوم أي: من أشرافهم، والحر من كل شي‏ء أحسنه وأطيبه وأعتقه.
نستخلص من هذا التعريف اللغوي أن الإنسان الحر هو غير المملوك وغير المقيد بأي قيد مادي، وهو الخالص في إنسانيته لا تشوبها شائبة، وهو الكريم في خلقه الشريف في نسبه. وقد عرّف الحرية صاحب معجم الرائد فقال: "هي القدرة على التصرف بمل‏ء الإرادة والخيار".


اصطلاحاً:

لا نجد تعريفاً اصطلاحياً جامعاً للحرية وإنما يعرفها كلٌّ حسب مجاله المعرفي، فقد نوقشت على مستوى فلسفي، وعلى مستوى فكري.
أما في التراث الإسلامي فهي لم تناقش بمفهومها المعاصر وإنما استعملت بالمعنى المضاد للرق والعبودية، فناقش الفقه الإسلامي أحكام العبد والأمة وجعلوا للحرية تعريفاً مناسباً لذلك بأن الحر في اصطلاح الفقهاء من خلصت ذاته من شائبة الرق.
على المستوى الفكري فقد تكلم فيها القانونيون والسياسيون والمفكرون كثيراً:
ففي القانون: هي التصرفات والأفعال الحرة البعيدة عن الإكراه المادي أو المعنوي.
وفي السياسة: هي تأمين الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.
وعند المفكرين كثر الحديث عنها بمفهومها الحديث مع الثورة الفرنسية في نهاية القرن 18م، التي كان شعارها الحرية والمساواة والإخاء، ويدور حول معنى تصرف الإنسان في شؤونه حسب مشيئته لا يمنعه أحد، وكان هذا كرد فعل على النظام الإقطاعي الحاكم في فرنسا الذي كان يعتبر الناس عبيداً للأمير، فجاءت الثورة فقضت عليه، وأطلقت العنان لحرية الفرد فوصل إلى ما وصل إليه اليوم من الشذوذ.
وجاء تعريف الحرية في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1789م في المادة الرابعة منه "الحرية هي القدرة على عمل كل ما لا يضر بالغير" وهذا التعريف تقترب منه كل التعاريف للحرية مثل تعريف الأستاذ ريفيرو بقوله: "سلطة تقرير المصير بالذات بحيث يختار المرء بنفسه سلوكه الشخصي".

أما عند المفكرين المسلمين فقد عرفها العلامة الطاهر ابن عاشور بمعنيين أحدهما ناشى‏ء عن الآخر:

الأول: بمعنى ضد العبودية وهو "أن يكون تصرف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرفاً غير متوقف على رضا أحد آخر".

الثاني: "هو تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض".

وبهذا التعريف يجعل ابن عاشور من الحرية مطلباً أساسياً لاستقلالية الإنسان في حياته الشخصية من غير تدخل الآخرين، وهي عنده "خاطر غريزي في النفوس البشرية، فبها نماء القوى الإنسانية من تفكير وقول وعمل، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة في ميادين الابتكار والتدقيق"، وهي أيضاً ذات ارتباط وجودي بكيان الإنسان كما خلقه اللّه تعالى.

مفهوم الحرية في الإسلام:

تختلف مفاهيم الحرية عند الناس حسب ثقافاتهم ومعتقداتهم، والحرية في الإسلام لها مفهومها الخاص، فهو يعتبرها فطرة بشرية وضرورة لازمة لتحقيق إنسانية الإنسان بما حباه اللّه تعالى من نعمة العقل الذي يميزه عن الحيوان، فهي التي تعطيه معنى الحياة، "إننا لا نغالي إذا قلنا أن الإسلام يرى في الحرية الشي‏ء الذي يحقق معنى الحياة للإنسان: فيها حياته الحقيقية وبفقدها يموت الإنسان حتى ولو عاش يأكل ويسعى في الأرض كما هو حال الدواب والأنعام. ولقد بلغ من تقديس الإسلام للحرية الإنسانية أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الذات الإلهية هو العقل الإنساني فحرر سبيل الإيمان من تأثير الخوارق والمعجزات المادية".

وإذا لم يتكلم علماؤنا قديماً عن الحرية كقضية مستقلة مثل ما تكلم عنها فلاسفة اليونان رغم أنها موجودة في ممارستهم اليومية خاصة في جانب التعبير عن الرأي، وما التراث الفقهي الذي بين أيدينا اليوم إلا دليل على ذلك، فإن مفكري الإسلام اليوم قد أثروها بالبحث والتحقيق  قائلين: "الحرية هي قدر الإنسان الذي تميز به عن كل مخلوق سواه فسجد للّه طوعاً دون إكراه إذ لم يجعل اللّه في تكوينه ما يجبره عن السجود له ولا على الإيمان به، ولا سمح له أن يجبر غيره على الإيمان. إن الحرية ليست غاية بل وسيلة لعبادة اللّه... ولئن كانت الحرية في وجهها القانوني إباحة فإنها في وجهها الديني طريق لعبادة اللّه، فواجب على الإنسان أن يتحرر لربه مخلصاً له في اتخاذ آرائه ومواقفه. وهذه الحرية في التصور الإسلامي مطلقة لأنها سعي لا ينقطع نحو المطلق. وكلما زاد إخلاصاً في العبودية للّه تحرر من كل مخلوق في الطبيعة، وحقق أقداراً أكبر من درجات الكمال الإنساني".


وإذا كانت الحرية وسيلة للعبادة  فإن العبادة في المفهوم الإسلامي تشمل حياة المسلم كلها فهي تتجلى في كل عمل يقوم به المسلم لعمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف فيها وبالتالي تكون الحرية وسيلة للتقدم الحضاري. وإذا كان الشيخ الترابي يرى أن الحرية مطلقة فإنه جعل سعيها إلى المطلق ضابط لها لأن السعي إلى اللّه تعالى يقتضي الالتزام بالشريعة الإسلامية، فالحرية المطلقة لا تكون إلا للّه تعالى.

رضا حسن السيد

فـــزْ بعلم تعشْ حيـّاً بــه أبـداً فالناسُ موتى وأهلُ العلم أحياءُ وقدرُ كل امرءِ ما كان يُحسنـُه والجاهلـون لأهل العلم أعـــــداءُ

0 التعليقات