الخميس، 31 مارس 2011
 
الأغاني المصرية - مثل كل ألوان الأغاني في كل دول العالم - هي صور للتاريخ للسياسي والاجتماعي يمكنك أن ترجع إليه لتفهم الحركة في المجتمع المصري وتطورها وانعكاسها على الشعب، تمامًا مثلما تفهمها لو أنك رجعت إلي كتب عبد الرحمن الرافعي في التاريخ مثلا.
فإذا كان تاريخ الأغنية هو تاريخ الإنسان على الأرض فإن تاريخ الأغنية المصرية يزيد الآن على سبعة آلاف عام هي تاريخ المصريين، وهي قرون طويلة ملأها المصريون بألوان كثيرة من الغناء.
وقد اختلف هذا الغناء باختلاف روح الحضارة وتباينت مستوياته هبوطًا وصعودًا حسب الأوضاع السياسية والاجتماعية المختلفة التي مرت على أرض مصر وقد كانت هي الأخرى شديدة التباين، وإن كان في مقدورنا أن نقول إن معظم هذه المداخل لم ينعم فيها المصريون بالاستقرار والطمأنينة، ومن ثم فهم لم يعرفوا الرفاهية في أغلب فترات التاريخ.
كان الإنسان البدائي يعيش على فطرته، يقلد ما يسمعه من صوت الطبيعة التي تزوم بالعواصف، وترق بصوت حفيف الشجر، تزمجر حيواناتها، وتزقزق الطيور، ولم يكن عنده من وسيلة للتعامل مع هذه الكائنات والأشياء إلا باستعمال أصوات غير واضحة يرى أنها يمكن أن تتحكم في الطبيعة فتنزل المطر، وتشفي المريض، ولا بأس أن يغني بها طلبًا للسعادة.
ابتكر الإنسان التصفيق على الأيدي، وبالأرجل، ثم استخرج أصواتًا من النفخ في القواقع المائية الفارغة، و البوص الأجوف، والعظام المفرغة.
ثم ابتكر الإنسان التصفيق على الأيدي، وبالأرجل، ثم استخرج أصواتًا من النفخ في القواقع المائية الفارغة، وفي قطعة البوص الأجوف، والعظام المفرغة وأصبح وقع الأقدام وطرق العصى كإيقاع مألوف.
ثم ابتكر الصفير وصنع آله ?إيقاعية على شكل كف اليد. تطورت بعد ذلك إلى أشكال من الشخاشيخ. وأمكنه أن يصدر أصواتًا مزعجة قريبة من الصراخ والصياح بالنفخ في العظام، وأمكنه أكثر أن يصنع الناي والصفارة والمزمار، ثم أن يسخر المعادن ليصنع آلات النفخ مثل الأبواق وغيرها.
وجاء بغصن شجرة قابل للالتواء، نزع منه غلافه مع الإبقاء عليه مثبتًا من الطرفين واستعمله كوتر يعزف عليه، زيد إلى وترين وثلاثة. ولما وضع هذه الأوتار على صندوق مصوت زاد رنينها وكوّن مجاميع موسيقية يمكن أن تصاحبه في الغناء، وتطورت الآلات من حيث الخامات، والأشكال حتى أصبح لدينا أوركسترا كامل تعددت فصائل آلاته من نقر، ووتر، ونفخ وخلافه.
موسيقى الفراعنة
كان المصريون القدماء يعتبرون الشعر والموسيقا فنًا واحدًا. أما الخطابة فكانت بالشعر الملحن وكان الشعب يلقبهم بالحكماء أو الأنبياء أو تراجمة الآلهة.
 كان عدد الكواكب خمسة هي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل ولما زاد عددها إلي سبعة بإضافة الشمس والقمر، استقر السلم الموسيقى في سبع درجات.
فقصائدهم كلها كانت حكمًا ومواعظ وهي مرشد الشعب التي تبث فيه روح المدنية وتخلق من الطباع الوحشية رقة ولينًا، وإصلاحًا بين الأحزاب المتنافرة، وعاملا على نزع العداوة والبغضاء تقوي النفس وتسوقها إلى الفضيلة، لذلك كان أفلاطون يفضل الموسيقى المصرية على سواها.
كان الموسيقيون يشرحون في قصائدهم القوانين المدنية وأحكام الديانة وأصول الفلسفة والتاريخ وباقي العلوم والفنون، فلم يكن لهم من وسيلة لنشر المعرفة إلا الشعر الملحن.
?والخطابة كانت بالغناء، وكل كلمة لها النغمة التي تظهر روحها ومعناها، وكان الخطيب يصاحبه عازف يضع له خلفية موسيقية مناسبة لما يقول يعينه بها على الأداء، وحتى بعد اختراع الحروف الهجائية الهيروغليفية استمرت هذه الطريقة في الخطابة عندهم.
المصريون القدماء اعتبروا الشعر والموسيقا فنًا واحدًا وكانت الخطابة بالشعر الملحن. 
وعرف المصريون القدماء السلم الموسيقى ذا السبع درجات. ربطوها بالأجرام السماوية، وكان عدد الكواكب خمسة هي عطارد والزهرة والمريخ والمشترى وزحل ولما زاد عددها إلى سبعة بإضافة الشمس والقمر، استقر السلم الموسيقى في سبع درجات.
فالموسيقى عندهم كانت فنًا ربانيًا من العلوم المقدسة تمامًا مثل الدين والفلك والطب والفلسفة، أما مخترع الموسيقى فكانوا يلقبونه ب "ابن الأبدية".
فنون الكنيسة
والكنيسة القبطية مليئة بالكنوز الطقسية والألحان، وكل ترنيمة هي نص من الشعر والنثر واللحن الذي ترتل به ويعبر عن معانيها.
نشأت الموسيقى القبطية من وقت كانت اللغة الرسمية للمصالح الإدارية والطقوس الكنسية هي اليونانية، لكن أهل الصعيد طلبوا استعمال اللغة القبطية في كنائسهم، فأصبحت اللغة المستعملة في كتب الترانيم هي كلمات قبطية قديمة مختلطة بعبارات يونانية بنسب متساوية ولا يمكن التمييز بينها إلا من جانب المتخصصين في اللغات.
وإن كان من السهل تمييز ثلاث لهجات كانت ترتل بها الترانيم والألحان القبطية هي "البحري" و"الصعيدي" و "الإخميمي"، وواضح أن كل لهجة تختص بها منطقة جغرافية مصرية.
الموسيقى القبطية تعتمد علي المرتلين أو "الخورسا" ولهم قائد صوته جيد وأذنه موسيقية حساسة، ويقود فرقة المرتلين عريف أو معلم يكرس صوته ونفسه في خدمة الكنيسة، وغالبًا ما يكون من المكفوفين أو شبه المكفوفين.
والموسيقى القبطية تعتمد علي المرتلين أو "الخورسا" ولهم قائد ويجب أن يكون له صوت جيد وأذن موسيقية حساسة، ويقود فرقة المرتلين عريف أو معلم يكرس صوته ونفسه في خدمة الكنيسة، وغالبًا ما يكون من ?المكفوفين أو شبه المكفوفين الذين تزيد حساسيتهم عادة وذاكرتهم أيضًا.
كان العرفاء يلقون الألحان على المعلمين بغير نظام وأنشئ عام 1907 م فصل بالمدرسة الأيليريكية ليتعلموا فيه الألحان القبطية والكتابة البارزة واللغة العربية والدين.
أما الآلات المستعملة مع المرتلين فهي كما جاء ذكرها في المزمور رقم 150 والأخير هي البوق والمزمار والقيثارة والدف والأوتار والأرغن والصنوج، وإن كانت الطقوس الدينية في القرن العشرين للكنيسة القبطية قد اقتصرت على الناقوس والمثلث، فبعض الآباء يرون أن استعمال أية آلات موسيقية أثناء الصلاة يقلل من التركيز في العبادة.
وترتل في الكنيسة القبطية أنواع عديدة من الترانيم و الألحان، وللمناسبات المختلفة تراتيل وألحان خاصة بها، أما أهم الألحان الموجودة في الكتب الطقسية فهي المرد الذي يردده شماس واحد أو في نهاية كل جزء من أجزاء القداس، وهي إما كلمة "آمين" أو "كيرياليسون" وتعني: يا رب ارحم أو "زوكساس" وتعني: مجدًا لك، و"هللو يا" ومعناها: نسبح لك، والنوع الثاني مرد مكون من أربع جمل ويرتل بعد أحاث المزامير أو بعد آية كتابية.
وللترانيم قوالب شعرية وصيغ موسيقية، ومن المؤكد أن الموسيقى البيزنطية استطاعت أن تؤثر في الموسيقى الفرعونية عند الأقباط وأصبحت الموسيقى القبطية مزيجًا من الموسيقى الفرعونية والبيزنطية.
العصر الجاهلي
إن الآثار الأدبية من العصر الجاهلي أعظم ما خلفه لنا شعراء ذلك العصر فهي صور بليغة المعنى مبدعة من الناحية الفنية والكلمية والتصويرية، إنها الصورة الحية للشعر.
وقد عرف عن العرب قديمًا حبهم للغناء، يغنون للطفل في المهد ويندبون بالغناء عند اللحد ويرقصون على الغناء ويبكون الموتى بالنواح وأغانيهم في الحروب سلاح وأشعارهم الحماسية قوة، حتى عبادتهم كانت صفيرًا وتصفيقًا قال تعالي: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " الأنفال : ه 3 "
الأغاني المصرية صور للتاريخ السياسي والاجتماعي نفهم منها تطور الحركة في المجتمع وانعكاسها على الشعب.
اشتهروا بحدائهم للإبل وهو غناء فطري بسيط يروّح به البدوي عن نفسه وعن دابته في الأسفار الطويلة، ثم تحول الحداء إلي "نصب" أي غناء الركبان وغناء القيان و"سناد" وهو اللحن الثقيل ذو التراجيع الكثيرة النغمات والنبرات، و"الهزج" وهو الأنغم الخفيفة الراقصة يصاحبها العزف على المزمار والضرب بالدفوف.
كانت الموسيقى العربية ضرورة في مجالس الملوك والأمراء وفي ندوات الشعراء والأباء، ولم يكن للغناء في العصر الجاهلي قواعد فالقيان كانت تغني حسب الشعور والعواطف، المهم هو التأثير في المستمعين بالصورة المطلوبة.
صدر الإسلام
كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم يعرف بحب الإنصات للسماع. فسمح لهم بل وحثهم عليه كما نرى في قصة السيدة عائشة مع أحد الأنصار حين أوصلت له عروسه فسألها النبي صلي الله عليه وسلم بعد عودتها: أأهديتم الفتاة إلي بعلها؟ فأجابت عائشة: نعم. فقال: بعثتم معها من تغني؟ فقالت عائشة مازحة: تغني ماذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم، تغني:
ابتكر الصفير وصنع آلة ?إيقاعية على شكل كف اليد وتطورت بعد ذلك إلي أشكال من الشخاشيخ.
أتيناكم.. أتيناكم.. فحيونا نحييكم
ولولا الحبة السمراء ما سمنت عذاريكم
ولولا الذهب الأحمر.. ما حلت بواديكم
وقال الرسول صلي الله عليه وسلم: أو علمت أن الأنصار قوم يحبون الغزل؟
ويختلف المؤرخون والكتاب حول نظرة الإسلام إلي الغناء فمنهم من قال إن الإسلام حرمه ومنهم من قال إنه يحل ممارسته في حدود.
?وقد تميز الغناء في العصر الإسلامي بخلوه من المصاحبة الموسيقية واعتماده على الغناء فقط في أسلوب ديني عميق، وظهور الأداء المتصل بالدين من خلال الأذان للصلاة وتلاوة القرآن الكريم، وأناشيد الصلاة والعيد، وغناء المديح والسيرة النبوية.
فالإسلام لم يحرم الغناء، بدليل أن الرسول صلي الله عليه وسلم أهدى سيرين الجارية المصرية التي أهداها المقوقس ملك القبط إليه مع شقيقتها مارية، وكانت مغنية، أهداها إلى حسان بن ثابت شاعر الرسول ولم يثبت أن الرسول صلي الله عليه وسلم نهاها عن الغناء فهو لم يعترض ولم يكره عمل سيرين في الغناء.
لكن حياة العرب بدأت في التحول إلى الترف من عهد الخليفة عثمان بن عفان بعد عودة المحاربين في بعض الممالك المجاورة ومعهم أموال وأسرى، فظهرت نهضة في فن العمارة وبناء القصور التي تحوي مشاهير المغنين، واحتل الغناء مكانًا رفيعًا في مجالسهم إلى جانب الشعر والأدب.
وعندما انتقلت الخلافة إلى الأمويين بعد مقتل آخر الخلفاء الراشدين على بن أبي طالب، ازدهر الغناء وكان من أبرز ملامح الحياة، حتى في مكة والمدينة وكثر الشعراء في العراق والحجاز وما بين النهرين ودمشق ونشأ أدب خاص يحمل الطابع الأموي وأصبح للغناء شأن رفيع في المجتمع وفي تصور الخلفاء بصفة خاصة، حتى إن أحد الخلفاء وهو الوليد بن يزيد كان شاعرًا وملحنًا ومؤلفًا موسيقيًا، وكان عصر فنون وعلوم وفتوحات جغرافية، وظهر علماء وضعوا أسسًا لمنهج يمكن أن نسميه بالمدرسة الموسيقية العربية. وسارت الموسيقى في نهضتها برعاية الخليفة رغم سريان روح التزمت في بعض الأوساط الفقهية.
ولما اعتلى عبد الملك بن مروان عرش الخلافة استمر ازدهار الموسيقى، فقد كان هو أيضًا شاعرًا وملحنًا ومن أنصار الموسيقى علميًا وفكريًا، وكذلك فإن الخليفة سليمان بن عبد الملك كان محبًا للغناء وأجزل العطاء للمغنيين والموسيقيين. وكان حب الخليفة عمر بن عبد العزيز للموسيقا حبًا صوفيًا.
?ثم اكتملت صناعة الغناء في العصر العباسي كما قال ابن خلدون في مقدمته. وقد اتسعت رقعة الدولة الإسلامية من المغرب إلي أوربا واختلط العرب بالشعوب المجاورة، وكان لهذا الاختلاط تأثيره على الإنتاج الفكري والموسيقي والعلمي وظهر أعلام وعلماء للموسيقا مثل الكندي والفارابي وابن سينا.
العصر العباسي إذن كان يمثل عصرًا ذهبيًا لفن الموسيقى والغناء ذلك أن الخلفاء كانوا إما شعراء أو ملحنين أو محبين ومتذوقين لهذا الفن، وفي عصرهم ظهرت علوم موسيقية.
وتأثرت الموسيقا بالموسيقا الفارسية حتى إذا ما جاءت الدولة الطولونية والإخشيدية استمر حال الموسيقيا على ما هو عليه لانشغال الولاة بتوسيع ممالكهم وممتلكاتهم ومطاردة الغزاة المغول وتدعيم استقلالهم.
وكان الولاة الفاطميون من هواة الموسيقى وهم أول من جعل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم عيدًا واحتفلوا به احتفالا تتخلله الموسيقى والغناء، كما ابتدعوا غيره من الأعياد.
وبانتهاء الدولة الفاطمية انحدر فن الغناء والموسيقا لانشغال الحكام بالحروب الصليبية والقيام ببناء القلاع والأعمال الحربية.
وقد منيت الحضارة العربية في القرن الثالث عشر بنكسة في الفنون استمرت ستة قرون حتى مطلع القرن التاسع عشر.
وفي العصر المملوكي ظهرت موسيقا حلقات الذكر عام 1273 ميلادية، وهي طريقة من الطرق الصوفية التي نشأت في عصور سابقة، ثم تطورت من حيث اعتمادها على الغناء والموسيقا، وأصبح لها معاهد خاصة في القسطنطينية.
ولا تزال بعض الأعمال الموسيقية لمؤلفي ذلك العصر باقية مثل أعمال دده أفندي 1797 - 1864 م، وكانت الفرقة الموسيقية التي تصاحب المنشد تتكون من عازفين أو ثلاثة للناي وعازفين على القيثارة والطبل وعازف على الربابة وآخر على المزهر.
وأول من نطق بالموال هم البرامكة بعد أن أوقع بهم ?الرشيد، وانتشر في مصر وبعض البلدان العربية بعد انتهاء حكم العباسيين 656 هجرية، وهو مربع ومخمس ومرصع ونعماني ويقوم على الارتجال، ويستعرض فيه المغني قدرته الفنية وإمكاناته الصوتية ومهاراته في الانتقال من مقام إلى آخر ثم العودة في النهاية إلى المقام الذي بدأ منه، ودائمًا يسبق الموال كلمة "يا ليل.. يا عين".
الموسيقى التركية في مصر
تأثرت الموسيقى المصرية بالموسيقى التركية منذ أن قام محمد علي - الذي تولى حكم مصر عام 1805 إلي 1848 ميلادية - بإحضار بعض الفرق الانكشارية من تركيا ،وهي فرقة موسيقا الحرس الحربي الخاص بالسلاطين الأتراك، ودخلت الموسيقى العسكرية التركية في وحدات الجيش المصري، وبذلك تأثرت موسيقانا بالطابع التركي.
الموشحات والابتهالات ومدرسة المشايخ:
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تزعّم بعض المشايخ حلقات الذكر والإنشاد وتتلمذ عليهم كثيرون، وأصبحت مدرسة المشايخ هي المدرسة الأساسية للغناء وظهرت الموشحات وتألقت الابتهالات.
أول من نظم الموشح في الأندلس هو مقدم بن معاني في أواخر القرن الثالث الهجري، وذلك باللغة العربية الفصحى، ثم نظمه القرطبي ثم عبادة بن القزاز، وقد نشأ كثورة على القصيدة الغنائية ووسيلة أسهل لظهور المشاعر والتعبير عن العواطف ولتحطيم نظام الوزن والقافية، ثم تفشت منها الصنعة والتكلف في القرن الخامس الهجري حتى ظهر ابن رشد وأخطل بن غارة وابن قزمان ونظموا عواطفهم باللهجة العامية، وبذلك ظهر فن الزجل.
وبين الوقت والآخر كانت تظهر بعض الموشحات في مديح الرسول صلي الله عليه وسلم، ولما جاء محي الدين بن عربي وعبد الرحيم البرعي ثم ابن الفارض، اتجهوا بأشعارهم إلى التصوف.
صنع الناي والصفارة والمزمار و سخر المعادن ليصنع آلات النفخ مثل الأبواق وغيرها. 
وغنى المطربون هذه الأشعار ولحنها الملحنون كابتهالات وتضرعات إلى الله ورسوله وسموها موشحات دينية انتشرت في عهد الفاطميين على المستوي الشعبي في الموالد والاحتفالات الدينية في المناسبات المختلفة، وبعض المنشدين يصاحبهم عازفون وبعضهم تتحاور معه البطانة، وأصبحت هذه المدرسة تميز الغناء المصري بقفلاته "الحراقة".
ثم تجمع أهل المهنة في طائفة لها شيخ من صلاحياته "تحزيم" المغني الصاعد أو اعتماده، ولا يجوز لأحد أن يغني إلا بعد أن "يحزم".
وهو التقليد الذي ساد الغناء المصري من خلال لجان الاستماع بالإذاعة إلى أن ظهرت وسيلة الكاسيت للتسجيل والنشر.
وظهر قالب الدور في منتصف القرن التاسع عشر، وقد كتب بالزجل ويتألف من قسمين "المذهب" و"الغصن"، وكان الدور يتكون من مذهب وأكثر من غصن ثم أصبح غصنًا واحد لكل دور.
كما ظهرت في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فرق المسرح الغنائي والتي جاء أصحابها من الشام هربًا من السلطة أو طمعًا في انتشار جماهيري.
وكانت الفنون المسرحية قد اقتصرت طوال العصور الإسلامية على فن خيال الظل والأراجوز إلى أن جاءت الحملة الفرنسية على مصر 1798، حيث اصطحب نابليون في حملته مجموعة ثقافية مكونة من حوالي 2000 عالم وفنان في جميع المجالات، ومنهم عازف ماهر على آلة البيانو لتقديم بعض الحفلات الترفيهية لجنوده الفرنسيين، وفرق تمثيلية لنفس الغرض.
ثم ظهر في لبنان مارون نقاش بمسرحه الغنائي المتأثر بما رآه في دول أوربا وسليم نقاش الذي نقل هذا المسرح من الشام إلي مصر.
ثم ظهر في مصر يعقوب صنوع الذي أرسله الأمير لدراسة الفن في إيطاليا، ويعتبر أول منشئ ومؤسس للمسرح المصري، ثم أحمد أبو خليل القباني الذي جاء إلي مصر مع عبده الحامولي هربًا من بطش السلطان عبد الحميد.
ثم جاء إسكندر فرح إليها عام 1884 م مع القباني ليعملا في فرقة واحدة، وانضم إليها عدد كبير من الفنانين المصريين منهم سلامة حجازي الذي كان قد نجح في تلاوة القرآن الكريم والغناء الديني والذي كون بعد ذلك فرقة مسرحية تحمل اسمه.
وأصبح المسرح الغنائي المصري مزدهرًا، وبلغ درجة النضج على يد سيد درويش وزكريا أحمد وأحمد صدقي، وقدموا مسرحيات غنائية تحمل أهدافًا سياسية واجتماعية وتهيئ الجماهير العريضة لثورة 1919 م.
قالب الطقطوقة بين الحربين العالميتين
وظهر قالب الطقطوقة وهي أغنية خفيفة لحنها بسيط والأداء فيها سهل ويسمونها أحيانًا أهزوجة وتكتب بالزجل، وتتألف من "مذهب" ومجموعة "أغصان" ويشترك فيها جماعة المنشدين مع المطرب في أدائها حيث يرددون المذهب بين كل غصن وآخر.
وإذا قلبنا صفحات الأغاني حتى عام 1924 وجدناها أغاني عجيبة، خليطًا يقوده سيد درويش من ناحية ومنيرة المهدية من ناحية أخرى ومعها عبد اللطيف البنا. فالحالة السياسية والاجتماعية الناتجة عن الحرب العالمية الأولى ونيران ثورة 1919 م كان لها الأثر الكبير على المجتمع وبالتالي على الغناء.
وقد كوت النيران قلوب الأمهات والزوجات والشيوخ والأطفال عندما كانت السخرة تلهب ظهور أبنائهم ورجالهم وعائلهم وتسوقهم إلى ميدان الحرب لخدمة الإنجليز، وإذا بهم يغنون: "يا عزيز عيني. أنا نفسي أروح بلدي.." وتغني الأهالي " يا عزيز عيني.. و السلطه خدت ولدي".
ثم بدأت مصر تعرف طائفة جديدة هم أغنياء الحرب الذين أثروا من تجارة القطن والفول والعدس والبصل، ينزل الواحد منهم إلى القاهرة كلما امتلأت جيوبهم بمئات الجنيهات، فيتجه لتوه إلى المراقص والملاهي والصالات التي أعدت خصيصًا له ويشعل السيجارة للمطربة بورقة العشرة جنيهات والمائة، وتغني له المطربة الكبيرة "بعد العشا يحلي الهزار والفرفشه" ويغني المطرب الصييت "ارخي الستاره اللي ف ريحنا ... أحسن جيرانا تجرحنا".
أغنياء الحرب وهبوط الغناء
وماتت أناشيد ثورة 1919م بموت الثورة، ولو أنها نجحت لخلدت أغنيات كثيرة منها " يا عم حمزه.. إحنا التلامذه.. ما يهمناش في القلعه نبات واللا المحافظه".
امتزج فن الثورة وفن أغنياء الحرب في هذه الفترة، فسيد درويش يغني "أنا المصري كريم العنصرين"، و"أحسن جيوش في الأمم جيوشنا" في أوبريت "شهرزاد" ومطرب في الصالات يغني "ارخي الستارة.."، ويظهر الكورس مع سيد درويش ويختفي في أغنيات الصالات، فالأولى أحاسيس جماعية شعبية، والثانية متطلبات فردية لا يصح أن يسمع فيها صوت الجماعة.
وتبدأ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، ويظهر نجما الغناء في مصر والقرن العشرين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وقد أخذ كل منهما بمظاهر النهضة العلمية والثقافية، وبدأت الطوائف تستنير، وبدأ المتعلمون يمثلون كثرة في المجتمع، وبدأ الفن يسايرهم ويأخذ عن حضارة الغرب.
لعب الشعراء والمفكرون دورهم في هذه الفترة فاختص أمير الشعراء أحمد شوقي مطربه محمد عبد الوهاب بأشعاره، واختص أحمد رامي أم كلثوم بمؤلفاته، وتسجل هذه الفترة نزول كبار المفكرين إلى مجال الغناء الوطني والشعبي والعاطفي، وغنى عبد

السنباطى
الوهاب قصائد لمهيار الديلمي وصفي الدين الحلى، وغنت أم كلثوم لأبي فراس الحمداني.
تبدأ الحرب العالمية الثانية ،ويظهر أغنياء الحرب الجدد من سكان المدن الذين تخصصوا في تجارة السكر في السوق السوداء وسرقة الكاوتش من معسكرات الجيش البريطاني عن طريق ضباطهم وانفراد كل منهم بجارسونيرة فيها فتاة.
فن المونولوج
وهنا ظهر فن المونولوج الفكاهي الذي أعجبت به ?الأرستقراطية المصرية لأنه يسخر من أولاد البلد، كما ظهر فن المونولوج الغنائي غير الفكاهي الذي ينفرد المطرب بأدائه ويروي قصة ذات بداية ونهاية.
وقد بدأ ظهوره في الروايات الغنائية على المسرح في الألحان التي تؤديها بطلة الرواية أو بطلها، ثم تطور على يد محمد القصبجي، حيث أصبحت له مقدمة موسيقية خاصة، وعني بعنصر التعبير الموسيقى.
الأغنية والإذاعة المصرية
تعتبر الإذاعة أهم الجهات التي أنتجت الأغنية المصرية بكل أشكالها وقوالبها وهي المصدر الأساسي لاكتشاف المواهب وصقلها وتلميعها، حاولت رفع مستوى الغناء باللجوء إلى ديوان أحمد شوقي لتختار منه القصائد الدينية والحماسية.
وقد ابتكرت ما يسمى بالأدب الإذاعي، والصور الغنائية والأوبريتات والتمثيليات الغنائية وقدمت الأغنيات الفردية والجماعية، والمونولوج الغنائي والفكاهي بل وخصصت في بداياتها فترات لإذاعة الموسيقى البحتة، وأخرى للأغنيات الشعبية والريفية والعالمية، والأغاني في كل المناسبات وبشتى الموضوعات والمواويل التي يكتبها الشاعر الشعبي منذ عصر هارون الرشيد ويلقيها بأسلوب نغمي فريد يعتمد في نظمه على ألوان البديع والبيان كالاستعارة والجناس والطباق والتورية.
الأغنية في السينما
ونجوم الغناء هم الأكثر شهرة في تاريخ السينما المصرية، والسينما الغنائية في مقدمات الأفلام المنتجة منذ عهدنا بالسينما الناطقة.
وقد اتجه الغناء بكل ألوانه من أوبريت وغنائيات ثنائية ومونولوج وموال وحتى الأشكال المتوارثة للغناء الديني والشعبي إلى السينما واتجه المطربون ليغنوا لا ليمثلوا، وبعض الممثلين اتجهوا إليها ليغنوا.
وقد ذاعت أغانيهم على مستوى واسع وأصبح في الإمكان رصدهم ضمن أسماء المطربين في التاريخ المصري.
?ضم الفيلم الغنائي أسماء لامعة في مجال الطرب، كما اشتمل على أغنيات فردية واسكتشات جماعية وفردية واستعراضات راقصة غنائية، وقد ساعدت السينما على ازدهار الفن المصري بصفة عامة ونشر اللهجة المصرية بين الشعوب العربية وكلغة مشتركة، بل وجعلت من القاهرة عاصمة للفن العربي أو كما كانوا يقولون "هوليود الشرق"، يهاجر إليها الفنانون الطموحون من كل البلدان العربية.
وهكذا جاءت جانيت، والكسندرا، ونجاح وغيرهن، وأصبحت بيروت مزارًا لكل منتج سينمائى يبحث عن وجوه أو أصوات جديدة.
لقد جعلت السينما ومعها صوت محمد عبد الوهاب وألحانه وفن أم كلثوم النغمة المصرية هي الأعلى والبيئة المصرية هي الأمل، وميكروفون مصر هو الحلم.
الغناء بعد ثورة 1952م
ألهمت ثورة يوليه 1952م الإذاعة المصرية وكل المواهب المعتمدة لديها في إنتاج أغنيات تستقبل الحدث الجديد ولم يتوقف التعبير عن كل منجزات الثورة ومساندة كل قراراتها وتصوير إنجازاتها بأشكال غنائية غير مسبوقة كأغنية واحدة يشارك في تقديمها أكثر من صوت،وتقديم أوبريتات أو ملاحم تظهر الفرق بين الحياة قبل الثورة وبعدها.
واندمجت النغمتان المصرية والسورية لإنتاج أغنيات الوحدة بين البلدين، وجاء إلى القاهرة عدد من أهل المغنى في شكل فردى أو ثنائي واندمجوا في الغناء المصري وباللهجة المصرية، حتى إذا ما كانت نكسة 1967م فبدأت أغنيات الشارع والتجمعات، وبدأ أهل اليسار في تكوين لون غنائي مزيج من المعارضة والتهييج الجماهيري، خفضت نغمته وارتفعت حسب الظروف السياسية.

أم كلثوم
خاضت مصر سلسلة من الحروب منذ عام 1948م إلى عام 1973م، وفى كل تلك الحروب كانت الأغنية مثل حد السيف. يحارب بها الجندي على الجبهة الأولى ويحارب بها المواطن على الجبهة الداخلية، ولدت في أثناء ذلك علامات غنائية لن يمحوها التاريخ بسهولة لكن بعد الحروب دائمًا يهترئ الوجدان وتتداعى القيم ويفقد الناس الروح والطموح، وقد ظهر ذلك في الاتجاهات الغنائية بعد هذه الحروب، في أغنيات الركاكة والابتذال المتمسحة في الحس الشعبي وهو منها براء.
انتشر الفكر الليبرالي مع الاقتصاد المفتوح وظهرت وسائل نشر الغناء عن طريق الكاسيت، اتجهت بعض الشركات التي كانت تنتج الأغنيات في عصر السينما إلى إنتاج شرائط الكاسيت المسجلة عليها أغنيات جيدة لها مواصفات الأغنية المصرية المعتادة بكلمات كبار المؤلفين وألحان الموهوبين وبأصوات معروفة. تلتها خطوة تقديم أصوات جديدة من اكتشاف الشركات.
غير أنه ومنذ أوائل التسعينيات من القرن العشرين، هجم نفر غير قليل من مقلدي المشروعات التجارية الناجحة وأصبح من المألوف أن تجد محلا للجزارة وقد تحول إلي شركة لإنتاج الكاسيت وأصبح الغناء مستباحًا ولا يحده إلا القدرة المالية والرغبة في الكسب عند الذين لا ينظرون إلي الغناء على أنه رسالة تخص الذوق الرفيع ويبحثون عن الكسب المادي بأي ثمن، ولو على حساب الذوق مما جعل الثقافة الهابطة وهي عملة رديئة تطرد الثقافة الرفيعة والغناء الجيد من الأسواق، استهلكت مصر في الثماني سنوات الأولى من التسعينيات في القرن العشرين عشرة آلاف أغنية أنتجت شركات الكاسيت منها 8960 أغنية، أصابت المستمع بنوع من الخلل في حاسة السمع، كما زاد الغناء باللهجات غير المصرية.
وتسجل أخر سنوات القرن العشرين توقف الإذاعة عن إنتاج الأغاني إلا من بعض الأغنيات في مناسبات وطنية أو دينية، واعتاد التليفزيون على الإنتاج المزخرف الراقص، لشركات الإنتاج الخاصة والإلحاح بأغاني الإعلانات الركيكة في كلماتها وألحانها، بل والتي تشوه في أحيان كثيرة ألحانًا عرفت بحلاوتها ورصانتها وأصبحت تراثًا عزيزًا، وتوقفت فرقة المسرح الغنائي التابعة لوزارة الثقافة وتحولت إلى ?فرقة شعبية تقدم فكرًا ثقيلا في شكل استعراضي غير مبهر، وتنحصر الأغنيات الفولكلورية التي كانت تسيطر على كل أشكال الغناء في الستينيات والسبعينيات في الفرق المتخصصة والتابعة لوزارة الثقافة.
عبد الوهاب وأم كلثوم

محمد عبد الوهاب
إن القرن العشرين يسجل ظاهرتين فنيتين تجبان كل ما حولهما وتتوازنان مع السلبيات التي انتهي بها القرن، الظاهرة الأولي هي الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي نعتبره مطرب القرن بأكمله، بصوته المتمكن الرقيق في كل مراحل العمر مع اختلاف المساحة الصوتية وأسلوب الأداء.
وأم كلثوم التي تخطت بغنائها حدود الجغرافيا واللغة، إذ أسفر استطلاع للرأي أجرته الصحيفة الفرنسية "لوموند" بين قرائها عن فوز قصيدة "الأطلال" التي غنتها من أشعار الدكتور إبراهيم ناجي وألحان الموسيقار رياض السنباطي كواحدة من روائع القرن العشرين الفنية والأدبية، وسوف تبقي كتراث إنساني للأجيال القادمة، وهي في ذلك مثل السيمفونية التاسعة لبتهوفن والسيمفونيات الرابعة والخامسة والسادسة لتشايكوفسكي.
مقدمة لا بد منها !!
تلك كانت مقدمة لا بد منها لهذه الموسوعة القومية لأعلام الغناء في مصر خاصة للقارئ الذي لا يبحث فقط عن مؤلف أو مطرب أو ملحن بعينه. إنما لفهم دور هذا الفنان من خلال المناخ الذي عاش فيه والحلقة التي يمثلها جيله في تاريخ الغناء المصري، واللون الغنائي الذي تخصص فيه.
وسوف يجد القارئ الكريم أن الأسماء التي ورد ذكرها في هذه الموسوعة تمثل كل الألوان الغنائية، القصيدة، والموال، والموشح، والطقطوقة، والأوبريت، والإسكتش والمونولوج بنوعيه الفكاهي الغنائي والفكاهي ثم الأغنية، كما تشمل الابتهالات الدينية والتراتيل الكنائسية.
?كذلك سوف يلاحظ أنها تشمل كل الاتجاهات والرؤى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وللقارئ العزيز أن يدرك الألوان، والأشكال، بل والمراحل الزمنية التي يمثلها كل فنان في الموسوعة، وذلك من خلال إنتاجه والمتعاملين معه بل ووسيلة نشر لونه الفني.
هل هو المسرح أم الصالات؟ هل هو الكاسيت أم دار الأوبرا؟ هل هو فارس لفن الصالونات الفاخرة أم لأهالي الحارات ومرتادي المقاهي؟
أما تاريخ ميلاد الفنان فهو الذي يحدد الجيل الذي عاش فيه وبالتالي يحدد الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية التي أثرت في فنه وتأثر بها مجتمعه.
ولسوف يلاحظ القارئ الكريم وجود بعض الأسماء المعروفة في مجال التمثيل وهم فعلا كذلك، لكن هؤلاء النجوم مؤدون أيضا.
كذلك سوف يلاحظ وجود أسماء لفنانين ليسوا من أصل مصري لكنهم أثروا وتأثروا بحركة الغناء المصري ومنهم من حصل على الجنسية المصرية فيما بعد.
وقد يلاحظ أننا تعمدنا كتابة أجمل الأعمال لكل فنان في بداية الصفحة الخاصة به، فإذا ما جمعنا كل هذه الأعمال الجميلة الباقية لوجدنا أنفسنا أمام أجمل ما غنت مصر عبر تاريخها، فهي الأعمال التي صاغت وجدان المصريين على مر التاريخ.


رضا حسن السيد

فـــزْ بعلم تعشْ حيـّاً بــه أبـداً فالناسُ موتى وأهلُ العلم أحياءُ وقدرُ كل امرءِ ما كان يُحسنـُه والجاهلـون لأهل العلم أعـــــداءُ

0 التعليقات